حكايات مرعبة من التراث اليمني

اليمن .. بلد الحضارات والأمجاد .. بلدٌ يعبق تاريخه بالقصص المدهشة ، والملاحم الخالدة .. جبال شامخة وعرة ، ترصد من علوها بصمت نشوء الدول واندثارها ، وتنشر بغموضها وهيبتها خيوطاً يحيك منها الخيال ثوب الأساطير الشهير ، قبل أن ينشره على القرى المعلقة والسهول المنبسطة .. لتبدأ الألسن تلوك الحكاية ، ناقلة الأسطورة إلى آذانٍ تتشربها بنهم ، وعيون جاحظة لا تطرف ، وقلوب معلقة في الهواء ..
لكن .. هل هي فعلاً مجرد أسطورة .

المقبرة

شجرة معمرة عجوز تمتص اجساد الموتى ..
(هذه قصة حقيقية وقعت قديماَ في قرية مجاورة في جبل صبر .. مدينة تعز .. اليمن)
تتحدث الحكاية عن مقبرة بعيدة منعزلة في جبل صبر تسمع منها ليلا أصوات مرعبه وانين مخيف  وفي وسطها شجرة معمرة عجوز تمتص أجساد الموتى فتحدق عيونهم الجاحظة من خلال شقوق جذعها الغائرة
وذات ليلة وشبان القرية يتفاخرون بشجاعتهم وبطولاتهم قام احدهم يعرض حكاياته ويقسم على شجاعته المنقطعة النظير
فسخر منه البعض وكذبه بعض آخر فكان التحدي أن يذهب إلى المقبرة القديمة بعد منتصف تلك الليلة .. تردد الفتى قليلا ثم قرر أن يخوض التحدي ويثبت لكل القرية شجاعته وإقدامه
تساءل الشباب كيف سيتحققون من صدق ذهابه
قال احدهم يأخذ مشعلا ونحن سنراقب نوره من هنا حتى يصل
قال الآخرون وما الفائدة إن كنا سنراقبه فسوف يستأنس بنا
ولكن يأخذ معه مسمارا يغرسه في جذع الشجرة العجوز في المقبرة وعند بزوغ الفجر نذهب جميعنا للتأكد انه قد فعل
وافق الشاب على مضض خشية أن يلتصق به عار الدهر
وذهب وحيدا مرتجف الخطى متتابع الأنفاس زائغ النظرات ... وحين اقترب من المقبرة بلغ خوفه ذروته وأوشك أن يعود
لكن كيف سيقابل أصدقائه في الصباح ؟ لا .. سيواصل
لم يبقى إلا القليل وبخطى مضطربة.. يكبو وينهض يحبو ويتعثر وصل إلى الجذع المغضن فجثا بجواره يثبت المسمار وقد جف ريقه وشحب لونه وبلغ به الرعب حدا لا يوصف
وثبت المسمار أسفل الجذع حيث كان يحبو واستدار يزحف مغادرا
قبل أن تتيبس أطرافه فجأة ... هناك من يجذبه من جذع الشجرة و مرت في خاطره كل الحكايات القديمة عن أرواح تسكن هذه الشجرة وتمتص أجساد الموتى
و انطلق ذلك العواء المرعب من زاوية المقبرة البعيدة فتسارعت دقات قلبه  وسال العرق البارد على جبينه وجحظت عيناه رعبا ورهبة .. ولم يستطع الالتفات وسقط مكانه كالحجر
عند بزوغ الفجر جاء الشباب ليرو العلامة لكنهم فوجئوا بصاحبهم هناك جثة هامدة قد ارتسمت على وجهه اعتى إمارات الرعب
وثوبه وجدوه مشدودا إلى المسمار الذي ثبته بجذع الشجرة

طاوي الليل

طاوي الليل .. يتجسد ليلا في الطرقات ..
أسطورة نشأنا معها حكاها البعض مؤمنا بأنها حقيقة ونقلها البعض مندهشا بأنها غريبة
ارتجفنا معها صغارا ولاحقت مغامراتنا الليلية ونحن شبابا
(العظروط)  او (طاوي الليل) أسطورة يمنية خالصة لكنها كغيرها من الأساطير تمد جدائلها الطويلة إلى كل مكان فنجد شبيهاتها في كل ثقافات الشعوب .
(العظروط )  أو (طاوي الليل) نوع من الجان يتجسد ليلا في الطرقات قد يظنه الإنسان من بعيد ادميا لكنه ما إن يقترب منه ويدقق في ملامحه وتفاصيل جسده حتى يقشعر بدنه فرقا ورعبا فهذا الكائن المرعب لا يمت لعالمنا بصلة ..
وينتفخ الجني المرعب ويزداد طوله بشكل مهول كأنه عمود من دخان ،  فيتجمد من يراه خوفا ورهبه
ثم وببساطة بعيدة كل البعد عن هذا الاستعراض المفزع يختفي ذلك الشيء في دياجير الظلام
من سمات هذا الكائن ظهوره المتكرر في نفس المكان واستعراضه الصامت المرعب واختفائه دون أن يلحق بمن يشاهده أي ضرر عدا الضرر النفسي الذي قد يصل إلى الجنون أو الذبحة القلبية
وذلك دأب الأشباح المرعبة أو بعضها في كل الثقافات

جارية البيت

يسكن كل المنازل .. يحيا بحياة اهلها ..
الليلة أسطورتنا معنا .. قريبة .. ملاصقة ، أسطورة جارية البيت .. إنها ليست من جواري ألف ليله وليلة .. ليست من عالمنا الذي نعرفه لكنها تشاطرنا بعداً آخر في نفس المكان
جارية البيت جنية مسالمة .. طالما أحسنت إليها وتركت لها نصيباً مما تأكل .. وتشرب .. حتى من الحناء الذي تتزين به النساء تضع المرأة لطخة من الحناء على جدار البيت وتقول بصوت مرتفع هذا لجاريت البيت ..
هذا الفصيل من الجن يسكن كل المنازل المأهولة ..ولا يسكن المنازل المهجورة .. يمتص طاقته من أهل المنزل وحياتهم فيحيا بهم .. ومعهم دون أن يشعروا به .. لكنه شذوذ صغير يحدث دائماً هنا أو هناك ليصنع الأسطورة المرعبة ..
حين تنسى أن تمنح جارية البيت نصيباً من سعادتك ورزقك .. حين تحاصرها بأساليب قد تأتي بها الصدفة فإنها تنقلب مخلوقا مريعاً يتجول في أروقة الدار بعد منتصف الليل .. يبحث .. عنك .. عن طفلك .. عن زوجتك .. يبحث عن شخص هنا .. يستيقظ ليذهب إلى الحمام .. أو يشرب بعض الماء .. أو يجيب الهاتف المزعج في ذلك الوقت ..
كثيرة هي أسباب التجول الليلي في المنزل .. حين يلفه سكون الليل .. وهجوع النائمين حين تنطفئ الأضواء المشرقة ( سواء أطفأتها أنت أو انطفأت من المحطة ) ليبقى مصباح صغير هناك
أو شمعة تتمايل فتتجسد لرقصتها الظلال .. وتضج بحياة مرعبه بين أنفاس السكون
إن مشاهدة جارية البيت الغاضبة هي تجربة لن ينساها أحد .. إن بقي حياً .. فالموت رعباً يقتل ألآلاف سنوياً حول العالم وللرعب أوجه عديدة واحد منها جارية البيت الغاضبة .
وأولئك الأقوياء الذين تجاوزوا الصدمة هم من نقلوا إلينا الخبر ..
عن جارية وديعة تغضب أحيانا إذا شعرت بالإهمال أو الاستفزاز .. فلا يعود فيها من الوداعة شيئاً يذكر

المتصور

يتصور بهيئات كثيرة .. ووجوه مألوفة من أهالي المنطقة ..
شيء مرعب يتجسد ليلاً من أعماق الأرض .. ليقف أمامك في لحظات وقد تقمص هيئة شخص تعرفه .. تراه فتشعر بتوتر غامض يزحف على جسدك .. ولا تدري لماذا .. تحدثه لتطمئن فيتجاهلك ويمضي .. بوقاحة ,, أو يحدثك بتثاقل وغموض .. قد تسأله فيجيبك ,, صادقاً أو كاذب .. لا تهتم ..
لأنك حين تقابل الشخص الحقيقي في الصباح تسأله عن ليلة الأمس وما دار بينكم من حديث ..
ستراه يعقد حاجبيه متسائلاً .. لكنني لم أغادر بيتي ليلة أمس ولم أتحدث معك قط .
ذلك هو لب الحكاية .. وبطلها كائن مخيف .. قد يكون من الجان .. وقد يكون من الأرواح الهائمة في الأرض ..
لكنه يتصور بهيات كثيرة .. ووجوه مألوفة من أهالي المنطقة .. ذكراً أو أنثى ..
ذلك هو ( المتصور ) أسطورة يمنية أخرى .. لها شبيهاتها في كل الثقافات ..
يتصور ويتجسد بهيئات ووجوه .. لكنك معه لا تحس بالأمان .. لا تحس بالاطمئنان .. لا تشعر إلا بخوف لا تجد له مبرراً حينها .. ووحشة .. تجعلك تتلفت يمنة ويسرة وأنت لا تدري
 أن ما يخيفك ,, يقف أمامك ..

اسطورة الطاهش

رأس خليط بين الذئب والليث المفترس ..
 ذلك المخلوق الغريب الذي بعث الرعب في البلاد قديما .. حيث كان يعيش في كل  قفار اليمن ومفازاتها ..
ولعل أشهر مكان كان يشاهد فيه منطقة الحوبان في مدينة تعز .. 
واشتهر طاهش الحوبان حتى نافس بشعبيته ملوكا وسلاطين جاءوا  ورحلوا دون أن يحظوا بما حظي به من الشهرة ..
ومن لا يعرف ( طاهش الحوبان ) !!!؟؟
تحدث عنه أجدادنا برهبة .. يحكون تفاصيل لقاءات مرعبة ..
وحوادث تمزيق شنيع .. لضحايا كانوا يعثرون عليهم صباحاً في أماكن بعيدة .. وغير مأهولة ..
صفات الوحش  تختلف باختلاف الرواة .. فمن نحر كنحر الثور القوي .. إلى رأس خليط بين الذئب والليث المفترس ..
وجذع كالخيل الجامح .. سريع في العدو .. قوي في القفز ..
(( لا يدركه طالب .. ولا ينجو منه هارب))
لا يأكل الجثث .. و من أغمي عليه و أنطرح بين يديه ( مخلبيه ) فقد نجا .. ليصبح يقص على معارفه ما حدث بفكر مشوش مضطرب .. لا تتضح معه تفاصيل الطاهش كما يجب ..
يقول المثل اليمني : (( كل طاهش معه ( يرارة ) ..  )) .. واليرارة  طائر صغير يرافق الطاهش يطلق صوتاً مميزاً فيدل الناس عليه ليختبئوا منه قبل وصوله
الجدير بالذكر أن معظم تلك الأوصاف تتطابق وحيوان الدب آكل العسل .. حيث أن الدب له نحر عريض وهيئة مخيفة
كما أنه لا يهاجم من يظنهم أموات ويتبعه طائر صغير يدله على أماكن العسل فيهاجمها ويترك له بقية ما يقتات عليه
ولكن هل عاشت الدببة في أرض اليمن ؟..

الجنية الفاتنة

وتغدو غولة مرعبة تمزق اجساد ضحاياها دون رحمه ..
أسطورة يمنية أخرى .. تتحدث عن جنية خارقة تفتن الرجال تارة وتقتادهم إلى كهفها البعيد لتنسلخ من جمالها المصطنع وتغدو غوله مرعبة تمزق أجساد ضحاياها دون رحمه .. وتارة هي عدو الأطفال الرضع تفتك بهم إلى أحضان أمهاتهم
تلك هي أسطورة ( أم الصبيان) ..
امرأة حسناء تفتن الرجال .. لها حافر حمار أو بقرة ..أو ماعز أو خف جمل تختلف القدم المسوخة من منطقة إلى أخرى
تسمى في السعودية والخليج ( أم الدويس )
تسمى في العراق وسوريا ( السعلوه ) أو السعلاه
تسمى في مصر ( النداهة ) نداهة الحقل
تسمى في ليبيا والمغرب العربي والجزائر ( عيشة مولات المرجه ) أي سيدة المستنقعات
فما سر انتشار هذه الأسطورة في كل الوطن العربي وما سر التشابه في تلك القدم الحيوانية
وهل هي فعلاً .. مجرد أسطورة ؟ !!

أبوكلبة (السوجر)


أسطورة أخرى أفزعت الكبار قبل الصغار
حكتها الشفاه المرتجفة لتبرر خوفاً من كل غريب يزور القرية .. ولتوجز قصة غلف الرعب زواياها الكئيبة ..
إنها ( أسطورة السوجر ) أو ( أبو كلب ) ..
تتحدث الأسطورة عن آدميين مثلنا لكن بهم نزعة لأكل لحوم البشر وشرب دمائهم يطوفون القرى والمدن
هذا (دلال) يبيع الثياب .. وذاك (نداف) يصلح فرش الصوف .. وذلك (لحام) يصلح الأواني المعطوبة
لكن هدفهم من هذه الحرف .. التجول بين الناس لاختطاف أطفالهم و الفرار إلى المجهول ..ليذبحوهم ويأكلونهم
هل هي حقاً مجرد أسطورة
هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة توين 2018