للوهلة الأولى ظننت أن الأمر مزحة أو خدعة ..
صورة لشبح ! , لكن عندما دققت النظر في تفاصيلها لاحظت أنها صورة غريبة
حقا خاصة و أن ناشر الصورة هي جهة إعلامية مرموقة و محترمة طالما تابعنا
نشراتها الإخبارية بحثا عن الحيادية و الدقة التي تفتقدها وسائل إعلامنا
العربية , و الأدهى أن الصورة ملتقطة في علية منزل قديم كان يسكن فيه احد
أكثر العلماء تأثيرا في تاريخ الإنسانية (رغم أن الكثيرين لم يسمعوا به
يوما!). ما رأيك أنت عزيزي القارئ , انظر إلى الصورة جيدا و لك الخيار في
تصديق أو تكذيب ما تراه عيناك.
صورة حيرت الملايين .. هل هو شبح حقا ؟
ركز على الصورة داخل الحلقة الحمراء .. ستشاهد بوضوح شخص ما جالس على كرسي
|
عندما
توجه مصور هيئة الإذاعة البريطانية كريس سانديز إلى مدينة بيكرلي
الانكليزية , حاملا معه آلة تصويره البانورامائية , لزيارة احد المتاحف
القديمة و المنسية , كان كل ما يشغل تفكيره هو التقاط عدة صور روتينية و
مغادرة المكان بسرعة , فعلى الأغلب لن يهتم احد لمشاهدة صور منزل قديم مات
صاحبه منذ قرابة القرنين من الزمن , لكن ما لم يخطر على بال كريس أبدا ,
هو أن هذه الصور التي سوف يلتقطها بعدسته ستجذب انتباه الملايين من الناس
حول العالم و تثير جدلا متجددا حول إحدى أقدم الظواهر المحيرة في تاريخ
الإنسانية , و اقصد بها الأشباح أو الجن , أو سمها ما تشاء , من المخلوقات
الأثيرية التي تظهر أحيانا للحظات لتثير الرعب و الخوف في قلوب البشر.
الصورة
تظهر بجلاء , عند تكبيرها و التدقيق في تفاصيلها , صورة لشخص مجهول يجلس
على كراسي في غرفة قديمة داخل المتحف. المصور كريس نفسه لم يصدق في
البداية ما التقطته عدسته .. هل هناك خلل في العدسة ؟ لكن الجو كان صيفيا
جميلا و عدسته كانت نظيفة و سليمة بدليل أن بقية الصور التي التقطها لم
يشبها أي خلل , إذن هل هو شبح حقا ؟ شبح من يا ترى ؟.
لنتعرف
أولا على تاريخ المتحف الذي زاره كريس و قصة العالم الذي كان يسكنه ,
فالمتحف في الحقيقة كان منزلا ريفيا قديما يعود تاريخ بنائه إلى القرن
السابع عشر و سكن فيه , لقرابة السبعين عاما , عالم كبير أنقذ ملايين
الأرواح حول العالم باكتشافاته الفذة , لكن مع الأسف , من النادر أن تجد
أحدا يعرف شيئا عنه حتى في موطنه انكلترا! , انه ادوارد جينر - Edward Jenner (1749 - 1823) مكتشف لقاح مرض الجدري (Smallpox )
في مطلع القرن التاسع عشر. و قد يعتقد اغلب القراء اليوم بأن الجدري ليس
مرضا خطيرا خاصة و انه من النادر أن يصيب أحدا هذه الأيام , بل إن بعضنا
ربما عاش حياته كلها من دون أن يشاهد شخصا مصابا بمرض الجدري. لكن هل تعلم
عزيزي القارئ بأن مرض الجدري كان مرضا فتاكا قاتلا في العصور الوسطى و
انه كان يصيب واحد من كل ثلاثة في العالم في ذلك الزمان , ففي انكلترا مثلا
كان المرض يصيب قرابة الستين في المائة من السكان و بلغت نسبة الموت
بسببه قرابة العشرين في المائة من السكان أما من كان يكتب له الشفاء منه
فكان يبقى مشوها بصورة فضيعة لما تبقى من عمره.
صورة للمتحف و الى اليمين صورة للعالم ادوارد جينر
|
لاحظ
الناس منذ زمن بعيد أن الفتيات اللواتي كن يعملن في حلب الأبقار كن
محصنات بشكل غريب ضد مرض الجدري , و الحقيقة يرجع ذلك في الأساس إلى
أصابتهن بمرض جدري الأبقار (Cowpox )
الذي يلتقطن ميكروبه أثناء تعاملهن و تماسهن اليومي مع الأبقار , و لحسن
الحظ فأن مرض جدري الأبقار هو مرض غير خطير و تقتصر أعراضه على حمى بسيطة و
عادة ما يشفى المريض منه بسرعة. و قد أدرك ادوارد جينر العلاقة بين مرض
جدري الأبقار و الحصول على المناعة ضد مرض الجدري الذي يصيب الإنسان و
لإثبات هذه العلاقة الغامضة قرر القيام بتجربة خطيرة , فقد قام بحقن صبي
في الثامنة من العمر هو ابن ألحدائقي الذي كان يعمل في منزله , بالقليل من
الإفرازات الناتجة عن جرح في يد فتاة مصابة بجدري البقر , و سرعان ما
التقط الصبي العدوى و أصيب بمرض جدري الأبقار لكنه تماثل للشفاء سريعا خلال
عدة أيام , و عندما قام جينر بتعريض الصبي لميكروب مرض جدري البشر وجده
قد اكتسب مناعة كاملة ضد المرض فأيقن أن لقاحه ناجح و أصبح هذا الاكتشاف
الخطوة الأولى باتجاه تخليص الإنسانية من احد أكثر الأمراض فتكا بها , و
قد استمر ادوارد جينر حتى وفاته عام 1823 بتلقيح الفقراء ضد مرض الجدري
مجانا في منزله.
انظر
الصورتين عزيزي القارئ , التي الى اليسار صورة الشبح اما التي الى اليمين
فصورة لنفس الغرفة ملتقطة بعد عدة ايام و يظهر من خلال الباب الكرسي خاليا
|
بعد
أن أتم عمله داخل المتحف نظر المصور كريس سانديز إلى مديرة المتحف و
سألها : "هل تعتقدين بأن هذا الشيء في الصورة هو شبح ادوارد جينر؟". حدقت
المرأة إلى الصورة مليا ثم أجابت بتردد : "أنا لا اعلم إن كنت أؤمن
بالأشباح أم لا , لكني شخصيا لم أشاهد شبحا في حياتي و لم ألاحظ شيئا
غريبا طيلة مدة عملي في المتحف" , ثم أردفت قائلة : "من يعلم! ربما يكون
شبح احد خدم ادوارد جينر , أو ربما يكون شبح احد الجنود لأن المنزل استخدم
خلال القرن التاسع عشر كثكنة للجنود".
في
الختام , بقى أن نذكر عزيزي القارئ أن الصورة التقطت في 14 أيار / مايو
2009 و أن المصور كريس يصر على أن الصورة حقيقية و غير مزيفة و أن البي بي
سي ما كانت لتنشر أبدا شيئا ملفقا أو مزيفا.
هل أعجبك الموضوع ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق